السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
تأخرت كثيرًا بشأن تدوين المقالات، لكن ستعلمون قريبًا أن الأمر يستحق! الذي اضطرني لكتابة هذا المقال هو رغبة العديد من الشباب الآن في بناء الشركات الناشئة الخاصة بهم، بينما تجد أحدهم لا يعلم ما هي المتطلبات الأساسية لأي شركة ناشئة، وأعني بذلك خطوات مدروسة، وليس مُجرَّد رغبة يرغب المرءُ في تحقيقها.
ما هي القواسم المشتركة بين الشباب الآن؟ بالتأكيد هي الرغبة في إنشاء مشروع صغير خاص بكلِّ واحدٍ منهم، لكن الأمر ليس بتلك البساطة التي يتوقّعها بعضهم – وإن شئت قل: معظمهم -.
من أكثر الأمور المُتَفشِّيَة بين الشبابِ الآن، تجد أحدهم يبحث عن تمويل، وكأن فكرة مشروعه لن تقم لها قائمة إلا بمئات الآلاف/ملايين الريالات، وكل ما لديه مجرد هو رقم هاتفه يرسله لكَ حتى إذا أعجبتك فكرة مشروعه – التي قد لا يذكرها البعض أصلًا! – عليك أن تتصل به لتمنحه المال الوفير.
أصحاب تلك التصرفات للأسف لا يدرون شيئًا عن عالم الأعمال، وإنما ينظرون إلى المموِّل أو المستثمر بعقلية علاء الدين، وأنَّه جِنِّي المصباح الذي سيوفِّر لهم رغباتهم لحياة مالية سعيدة. وبالطبع كل هذه مجرَّد أوهام لا يلهث ورائها إلَّا عابث.
لا تُبنَى الشركات الناشئة على أحلام اليقظة، وإنَّما على أُسُسٍ وقواعدٍ مدروسة. ونظرًا لضيق الوقت سأذكر لكم منها أهم أربعة تحديات يجب التغلُّب عليها في المراحل المُبَكِّرَة لأيّ شركةٍ ناشئة:
1. التفرُّغ للمشروع
يتطلَّب تطوير المنتجات الكثير من التفاني في العمل. وبمعنى آخر، عليكَ أن تعمل على مشروعك – خاصة في مراحله الأولية – كأنك تعمل فيه بدوامٍ كامل؛ فروَّاد الأعمال الناجحين يعملون بلا هوادة. وبالتالي إذا كنت تثق في فكرتك وإمكانية تنفيذها؛ ابدأ فورًا بإعدادِ خطة “واضحة” لها.
2. البحث عن أشخاص على استعدادٍ للمُخاطرةِ معك
في مشاريعٍ نادرة وتخصصات مُعَيَّنة فقط يمكنك أن تبدأ في إنشاء شركتك الناشئة وحدك. لكن المعتاد هو حاجة رائد الأعمال إلى تشكيل فريق قادر على إتمام مهامه بنجاح، بالإضافة إلى توافر الكمّ الوفير من الالتزام. وكما ذكرت لكم، الأمر يتطلَّب التفاني الكامل للمشروع، لكن هذا لا يعني أن تتخلَّ عن مصدر دخلك الوحيد – حتى وإن كانت مصادر متعددة – لأن ذلك ليس في صالح مشروعك بالتأكيد. لذلك ففي غاية الصعوبة أن تجدَ أُناسًا على استعدادٍ للمُخاطرةِ مَعَك. لكن لا تستسلم؛ لأن فكرتك إن لم يُسهِم فيها أحدًا سواك فهذا يعني أنها ليست جيدة بما فيه الكفاية. أعد التفكير وطوَّر فكرتك، ويمكنك أن تبدأ بتعيين موظفين مُستقلِّين في بداية الأمر أو عند الضرورة.
3. تطوير منتج أوَّلي قابل للنموّ
وهذه الخطوة تُعَدُّ اختبارًا حقيقيًّا لقدرة منتجك – مشروعك – وقابليته للتنفيذ. وعلى الرغم من سهولة إعدادمنتج أوَّلي قابل للنموّ، إلا أنه سيوضح لكَم عدة ملاحظات هامة لتطوير منتجاتكم فيما بعد، وكذلك فيما يخص بتطوير نموذج العمل بأكمله؛ لأن المنتج الأوَّلِي سيساعد في جمع البيانات اللازمة لتعريف شريحة السوق، والجمهور المُستهدف، وتحديد القيمة، وغيرها من أقسام نموذج العمل.
بالمُناسبة، الوقوع في الخطأ هو جزء من تلك العملية! لذا إيَّاك أن تثبط عزيمتك إذا اكتشفت أمورًا غير متوقعة بعد تطوير منتج أوَّلي قابل للنمو وقدمته للناس في مرحلة البدء.
4. تطبيق مشروع تجريبي
يُنظَرُ إلى الأفكار المُبتَكَرَة في السوق الواقعي نظرة شك وقلق؛ فإنه من الصعوبة بمكان أن تحصل على عملاءٍ يثقون بفكرتك، وعلى استعداد لتغيير ثقافتهم ونمط حياتهم لتجربة مشروع تجريبي، لم يُنَفَّذ من قبل في أيِّ مكانٍ آخر. وهو تحدي حقيقي وأخير في تلك المرحلة.
وبمجرَّد الانتهاء من تلك الحواجز والتحديات الأربعة، هناك أربعة مراحل أخرى ينبغي التغلّب عليها لاستقرار ونمو الشركات الناشئة.
ها هي..
1. مرحلة الاستخدام (من 6 أشهر إلى سنة)
تتميز تلك المرحلة بالحصول على أول مستخدِمين بعد الإطلاق. ويحدث ذلك بعد تطوير المُنتَج الأوَّلِي القابل للنموّ والمشروع التجريبي. والهدف من تلك المرحلة هي إعادة التأكد من صلاحية المشروع/المنتج/الخدمة، وفيها يتم اختبار مدى تأثير وجاذبية منتج الشركة الناشئة على كَمٍّ أكبر ونطاقٍ أوسع للمستخدمين.
2. مرحلة الشراء (من 6 أشهر إلى سنة)
وتهدف هذه المرحلة إلى التحقُّقِ من صحة نموذج العمل التجاري، وتسييل المشروع – أي تحقيق دخل حقيقي له -. وفي تلك المرحلة، يجب أن تبدأ الشركات الناشئة في كسب أوَّل عُملائها؛ لتبدأ في إدرارِ الإيرادات.
3. مرحلة الاقتصاد (من 6 أشهر إلى سنة)
وتهدف هذه المرحلة إلى تحديد نموذج كسب/اقتناء العملاء. لذلك يتم من خلالها إجراء اختبارات مختلفة ومتنوّعة بين استراتيجيات التسويق، واستراتيجيات كسب العملاء، مثل اختبار الفيسبوك، وإعلانات جوجل أدوردز، والتسويق الوارد، …إلخ، كما يتم اختبار الجمهور، وتحويل العملاء المُحتَمَلينَ إلى عُملاءٍ جُدد، وغيرها من الأمور المهمَّات الأخرى. وفي هذه المرحلة أيضًا يبحث فيها أصحاب الشركات الناشئة عن فهمِ دورة العملاء، أي متى تتوافر لديهم القابلية للشراء على الإنترنت، وكم ينفقون في تلك الفترة.
4. مرحلة اكتساب العملاء
وأخيرًا، وبعد فهم النظام البيئي لكسبِ العُملاء، ورسمِ الاستراتيجيات الأكثر مُلاءَمة لهم؛ يتوجَّب على أصحاب الشركات الناشئة أن يستثمروا بصدرٍ مفتوح للحصولِ على مزيد من العملاء. هذا هو التوقيت المُناسب لتحصيل نتائج كُلّ ما سَبَق.
تذكَّر أن السعيَ للوصول إلى المرحلة الرابعة سيتم في غضونِ عامين، وربما سيتحوَّل لون شعرك إلى اللون الأبيض من كثرة ما ستتعلَّمه من دروس خلال تلك الفترة.
أي من تلك التحديات/المراحل تجد نفسك الآن؟
أراكم على خير.